تلخيص كتاب عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم للعقاد

تلخيص كتاب عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم للعقاد





مقدمة

يبدأ العقاد بتوضيح أن فكرة هذا الكتاب كانت تراوده منذ 30 عامًا قبل الشروع فيه فعليًا. وقد انطلقت هذه الفكرة من حادثة وقعت خلال احتفال بالمولد النبوي الشريف، عندما كان يجلس مع مجموعة من الأدباء يناقشون الفصل الذي كتبه توماس كارليل في كتابه الأبطال عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. 

أثناء النقاش، تفوّه شاب بكلمة مسيئة للنبي، مما أثار غضب الحاضرين. وبعد أن هدأ الموقف وخرج الشاب معتذرًا، أدرك العقاد وأصدقاؤه أن من غير المنطقي أن يستندوا إلى وصف رجل غربي لا يعرف النبي كما يعرفونه هم، ومن هنا اقترح أحدهم أن يكتب العقاد كتابًا حديثًا عن النبي.

استجابةً لهذا الطلب، تعهّد العقاد بكتابة الكتاب، لكنه لم ينجزه إلا بعد ثلاثين عامًا، ليكتمل صدفةً في المولد النبوي الشريف.

ركّز العقاد في كتابه على تقدير عبقرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يجعله ككتاب سيرة تقليدية أو شرح للأحكام الشرعية.  

كان هدفه تقديم النبي محمد كشخصية عبقرية وعظيمة تفرض احترامها على كل إنسان، بغض النظر عن ديانته أو معتقداته.

تتجلى خصوصية هذا الكتاب في كونه ليس مجرد سيرة نبوية أو دراسة دينية، بل هو تقدير لعظمة النبي وإبرازه كمثال يُحتذى به.

و قد تعمّد العقاد الإطالة في فصلي الحرب والزواج لأنهما كانا محور النقاش الذي ألهمه فكرة الكتاب.

يهدف الكتاب إلى تعزيز فهم الناس لعظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في وقت يحتاج فيه العالم للمصلحين الحقيقيين.ثم الرد على صغار النفوس الذين تجرؤوا على الانتقاص من مقام النبي الكريم، و تسليط الضوء على عبقريته في مختلف المجالات، التي تجعل سيرته حجة قائمة بذاتها لا تحتاج إلى شهادة أو تأكيد.

هذا الكتاب هو احتفاء بشخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعبقريته في إصلاح البشرية، وهو دعوة للعالم أجمع للاقتداء به والإيمان بعظمته.

علامات مولد

في هذا الفصل يصف الكاتب البيئة التاريخية والاجتماعية التي ولد فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مسلطًا الضوء على حالة العالم آنذاك، وكذلك مكانة قريش وأهمية بيت عبد المطلب.

 يوضح العقاد أن العالم كان يعيش حالة من الانحطاط العقائدي والأخلاقي. الفرس والروم والحبشة غارقون في الفساد، والعالم بأسره كان ينتظر منقذًا يعيد التوازن. و يشير إلى أن قريش، رغم كونها بلا دولة، كانت تتمتع بمكانة اقتصادية وسياسية مرموقة، كونها تسيطر على التجارة في المنطقة. ومع ذلك، كان هناك صراع داخلي بين فئتين: فئة ظالمة تسيطر على الضعفاء، وأخرى تبحث عن العدل والحق.

لقد كان عبد المطلب، جد النبي، الذي كان من علية قريش. حيث نذر إذا أنجب عشرة أبناء أن يذبح عاشرهم قربانًا، وكان هذا الابن عبد الله، والد النبي. بعد أن استُبدل النذر بمائة من الإبل، أصبح عبد الله شخصية استثنائية، محبوبًا ووسيمًا، لكنه توفي شابًا بعيدًا عن وطنه قبل أن يرى ابنه.

يُبرز العقاد كيف أن النبي وُلد من نسب كريم، ومن أبوين يمثلان أكرم صفات ذاك الزمان، ليصبح بهذا المولود المختار الذي سيغير حال أمته والعالم بأسره.  

يركز هذا الفصل على تقديم صورة للعالم الذي ولد فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى الظروف المهيئة لظهوره كمنقذ ومصلح للبشرية.

عبقرية الداعي

في هذا الفصل، يوضح العقاد الأسباب التي جعلت النبي محمد صلى الله عليه وسلم الشخصية الوحيدة المؤهلة لحمل رسالة الإسلام وتغيير وجه العالم، مستعرضًا الصفات الفريدة التي امتلكها، وكيف أثرت هذه الصفات في نجاح الدعوة المحمدية.

لقد كان العالم في حالة من التردي والفساد، ينتظر منقذًا ينهض به ويعيد ترتيب قيمه. و كان محمد صلى الله عليه وسلم المرشح الوحيد لهذه المهمة، لامتلاكه الصفات والظروف المناسبة.

وُصف بأنه "أعرب الناس"، وكان كلامه واضحًا ومؤثرًا. حيث قالت السيدة عائشة رضي الله عنها أنه كان يتكلم بكلام فصل يحفظه من جلس إليه، ولم يسرد الحديث كسرد البشر.  

ثم إنه قد أُعطي جوامع الكلم، أي القدرة على التعبير بأقل الكلمات وأكثرها تأثيرًا.

كان محبوبًا من الجميع، قويهم وضعيفهم. حيث فضله زيد بن حارثة على أبيه بعد غياب طويل، وميسرة خادم السيدة خديجة أثنى عليه أمامها بدل استبقاء الصفات الطيبة لنفسه حفاظا على عمله. وقد كان الصدق والأمانة والوفاء صفات راسخة فيه، مما جعل لقبه "الصادق الأمين".

لم يُصدق النبي صلى الله عليه وسلم من قومه رغم معرفتهم بصدقه، ليس لعيب فيه، بل لأنهم رفضوا التخلي عن معتقداتهم الموروثة.

لقد آمن النبي بفساد عصره ونجاسة الأوثان، وعندما نزل عليه الوحي، لم يتعجل في التبليغ حتى يطمئن قلبه.

إن الإسلام لم ينتشر بالسيف كما يُروج. و قد تحمل النبي وأصحابه الاضطهاد والضرب دون رد العدوان.  

وكان الذين أسلموا في البداية معرضين للقتل والتعذيب، ولم يعتنقوا الإسلام خوفًا أو طمعًا.

انطلق عمر بن الخطاب ليقتل النبي متوشحًا سيفه، لكنه بدلًا من ذلك قرأ القرآن الكريم في بيت أخته وتأثر به. عندما ذهب للنبي معلنًا إسلامه، لم يقابله الصحابة بالسلاح، مما يؤكد أن الإيمان جاء عن قناعة خالصة.

نجحت الدعوة لأن الأرض كانت مهيأة لها، ولأنها قدمت للبشرية رسالة واضحة وعقلانية. لم تكن هناك خوارق تعارض العقل، ولا اعوجاج لمن أراد الاستقامة.حيث كان العالم في أمسّ الحاجة لدين كهذا، وقائد يمتلك عبقرية الدعوة، وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

نجاح الدعوة المحمدية كان نتاجًا لتكامل شخصية النبي صلى الله عليه وسلم كداعية، ولأن الرسالة الإسلامية جاءت في وقت كان العالم في أمسّ الحاجة إليها. لم يكن الإيمان نابعًا من خوف أو طمع، بل كان نتيجة اختيار واعٍ وصدق الرسالة، التي جمعت بين العقل والروح.

عبقرية محمد العسكرية

في هذا الفصل، يناقش العقاد عبقرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم كقائد عسكري، وكيف أدار المواجهات في الإسلام بطريقة فريدة من نوعها، رغم أن الإسلام لم يعتمد السيف وسيلة لنشر الدعوة. يستعرض الكاتب الفهم العميق للنبي لفنون الحرب ويقارن استراتيجياته بالخطط العسكرية لقادة عظماء في التاريخ.

إن الإسلام دين إقناع وحوار، وليس دين قتال وعدوان. و مع ذلك، لجأ النبي صلى الله عليه وسلم للسيف عندما حالت السلطات الظالمة بين الناس وسماع الدعوة، و أيضا عندما اعتدى الكفار على المسلمين. و هذا يعني أن السيف في الإسلام كان وسيلة لرد العدوان، وليس للهجوم أو فرض الدين بالقوة. إن السلطة الظالمة لا يمكن مواجهتها إلا بسلطة عادلة تحمي حقوق الناس، و قد احتكم الإسلام للسيف فقط في الحالات التي استوجبت ذلك.

لم تكن الفتوحات لفرض الإسلام بالقوة، بل كانت وسيلة لإزالة العقبات التي تمنع الناس من سماع الحق. و قد فرض الإسلام الجزية على من لم يعتنق الدين، وهو أقل ما يطلبه غالب من مغلوب، لكنها كانت وسيلة لإقامة نظام عادل يحمي الجميع. و قد دخلت الشعوب في الإسلام عن قناعة بسبب عدل الإسلام مقارنة بالظلم الذي عاشته سابقًا.

لقد خسر نابليون معركة روسيا بسبب تجاهله نصائح مجلس الحرب وتقديره الخاطئ لنوايا قيصر روسيا. و على النقيض، النبي صلى الله عليه وسلم كان دائم الاستماع لمستشاريه العسكريين. ففي غزوة بدر، قبل نصيحة الخباب بن المنذر بتغيير موقع الجيش، مما كان له أثر كبير في تحقيق النصر.

وفشل هتلر في روسيا بسبب خطأ استخباراتي، حيث اعتقد أن الشعب الروسي سيرحب بالمعتدين للتخلص من حكامه. في حين أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم رغم عدم تعلمه من الأكاديميات العسكرية، تفوق بخططه واستراتيجياته على القادة الذين جاءوا بعده بقرون، وأظهرت أعماله الحربية عبقرية استثنائية.

أول تجربة عسكرية للنبي كانت غزوة بدر، التي أظهرت عبقريته في اتخاذ القرار وسرعة التكيف مع الظروف. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا يستبق العدو إذا علم بخطر يهدد المسلمين، كما حدث في غزوة تبوك، حيث بدأ التحرك رغم ضعف الموارد.

و يرى العقاد أن خطط النبي العسكرية تُدرَّس الآن للقادة المحدثين، بسبب دقتها ومرونتها.  

و مما لا شك فيه أن النبي لم يبدأ عدوانًا على أحد، لكنه تصرف بحزم لحماية دولته والدفاع عن الإسلام.

لقد تجلت عبقرية النبي العسكرية في قدرته على إدارة الحروب بحكمة وبُعد نظر، رغم عدم تلقيه تعليمًا عسكريًا. ثم إن الإسلام لم ينتشر بالسيف، بل بالعدل والإقناع، ومع ذلك، استخدم النبي القوة في المواقف التي تطلبت ذلك لضمان حماية الدعوة واستقرار الدولة.  

لقد تجاوزت استراتيجيات النبي صلى الله عليه وسلم الحربية عصره، وأظهرت توازنًا بين الحزم والإنسانية، وهو ما يجعلها نموذجًا يُحتذى به في القيادة.

عبقرية محمد السياسية

عبقرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم في السياسة تجلت في أبهى صورها في صلح الحديبية، حيث أثبت أنه القائد الحكيم الذي يدير الأمور بدهاء ودبلوماسية فريدة، قادرة على قلب الهزيمة إلى نصر، وتوحيد الصفوف وتحقيق مكاسب بعيدة المدى للإسلام والمسلمين.

لقد قام باستثمار موسم الحج لتوحيد العرب حيث دعا النبي صلى الله عليه وسلم للحج ولم يقصره على المسلمين فقط، بل جعله دعوة عامة لكل العرب الذين يقدسون البيت الحرام. و بهذه الخطوة، أزال العزلة عن المسلمين، وأكد انتمائهم للعروبة وأن نزاعهم مع قريش مسألة داخلية وليست عداءً للعرب ككل. فنفى بذلك إشاعات قريش بأن المسلمين يهددون التجارة والأرزاق، وأثبت أن الدعوة الإسلامية تستوعب الجميع.

خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المسلمون في صلح الحديبية بنية الحج، دون نية قتال، حاملين فقط السلاح الذي يحمله المسافرون. فوضع المشركين في مأزق: فإن هاجموا المسلمين كانوا معتدين على حجاج سلميين، وإن تركوهم أظهروا ضعفهم أمام العرب. ثم انتهى الأمر إلى اتفاق صلح الحديبية بشروط ظنها البعض قاسية، لكن النبي قبلها بحكمة ودراية، وكانت لها أهداف بعيدة المدى.

كان من بين شروط صلح الحديبية، من أتى النبي مسلمًا دون إذن وليه يُرد، ومن ارتد عن الإسلام وعاد إلى قريش لا يُعاد. و رغم أن هذه الشروط بدت قاسية، إلا أن النبي رأى فيها فرصة لتقوية الصف الإسلامي. فمن عاد إلى قريش كان ضعيف الإيمان، ومن ثبت رغم الأذى كان قوة حقيقية للمسلمين.  

و في النهاية، من أسلموا ورفضوا العودة إلى قريش أصبحوا قوة مستقلة جعلت قوافل قريش التجارية أمام عدو جديد.

إن هدنة عشر سنوات أعطت المسلمين فرصة للتفرغ لتثبيت دولتهم، و مواجهة اليهود، ودعوة الممالك الخارجية.

صلح الحديبية كان فتحًا سياسيًا بامتياز، إذ أمن النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين من غدر قريش، وفتح الباب أمام دعوة الإسلام في أوساط كانت مترددة بسبب قوة قريش. و قد أثبت النبي بوفائه للعهد، رغم قدرته على نقضه، سمو أخلاقه السياسية، ما كان له أثر كبير في إقناع عقلاء العرب كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص بالإسلام.

عاد المسلمون إلى مكة في العام التالي مسلحين للدفاع عن أنفسهم، لكنهم تركوا السلاح خارج مكة. و أظهر النبي صلى الله عليه وسلم قوة وثباتًا مع التزامه بالعهود، ما أثار إعجاب المشركين وأظهر الفرق بين أخلاق المسلمين وعدوانية قريش.

لقد أتاح الصلح للنبي صلى الله عليه وسلم الوقت والمساحة لنشر الإسلام، ودعوة القبائل العربية والممالك الخارجية دون خوف من قريش. و استغل النبي صلى الله عليه وسلم الفترة لنشر الإسلام بوسائل سلمية، مما أدى إلى دخول أعداد كبيرة في الإسلام عن قناعة.

عبقرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم السياسية تمثلت في تحويل التحديات إلى فرص، وإدارته للمفاوضات بدهاء ووعي بأبعاد المواقف.  

صلح الحديبية الذي بدا للبعض تنازلًا كان في الحقيقة فتحًا استراتيجيًا، أدى إلى تمكين الإسلام وتحقيق انتصارات سياسية ودعوية لاحقة.  

السياسة النبوية لم تعتمد فقط على القوة، بل ارتكزت على الحكمة، الالتزام بالمبادئ، واستيعاب الجميع، مما جعلها نموذجًا فريدًا في التاريخ.

عبقرية النبي محمد الإدارية

الإدارة الحكيمة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ظهرت في كل تفاصيل حياته، حيث جمع بين الحزم والرحمة، وبين التنظيم الدقيق والمرونة، مما جعل دولته تنمو في بيئة كانت تعاني من الفوضى والشتات.

أوصى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يؤمروا أحدهم في أي تجمع، حتى لو كان صغيرًا، ليضمن وجود قائد يوجههم ويجمع كلمتهم.  

و عند إرسال الجيوش، كان يعين أميرًا وخليفة له، بل وخليفة للخليفة، لضمان استمرارية القيادة في كل الظروف، وكان اختيار القادة بناءً على الكفاءة والأمانة.  

و قد غرس النبي صلى الله عليه وسلم مفهوم المسؤولية بقوله: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته."

عندما نزلت آية تحريم الخمر، نزل النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى الأسواق، وأمر الصحابة بتحطيم كل زقاق خمر، ليؤكد أن تنفيذ الأحكام الشرعية واجب على الدولة قبل الأفراد.  

و حرص النبي على التأكد من تنفيذ الأحكام العامة بحزم، لكنه لم يتركها لأصحاب الأهواء الشخصية، بل قاد تنفيذها بنفسه، ليكون نموذجًا يُحتذى.

و قد أظهر النبي صلى الله عليه وسلم عبقرية إدارية في التعامل مع الأمراض والأوبئة، حيث قال: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها." و هذا التوجيه يعكس فهمًا مبكرًا لمبدأ الحجر الصحي، مما يحمي المدن الأخرى من انتقال العدوى، ويقلل من الكوارث الصحية.  

و قد أظهر النبي صلى الله عليه وسلم مهارة فريدة في التوفيق بين القبائل، كما حدث في حادثة الحجر الأسود.  

عندما اختلفت قبائل قريش حول من يضع الحجر الأسود في مكانه أثناء إعادة بناء الكعبة، اقترح النبي صلى الله عليه وسلم وضع الحجر في ثوب، ليحمله جميع زعماء القبائل معًا. بهذا الحل البسيط، حفظ ماء وجه الجميع، ومنع النزاع، وأكد على عدالته وحكمته.

عند وصوله إلى المدينة المنورة (يثرب)، اختلف أهلها فيمن سيستضيفه. فترك النبي صلى الله عليه وسلم لناقته أن تختار مكان النزول، قائلًا: "دعوها فإنها مأمورة." هذا التصرف أظهر حكمته في تجنب النزاعات، واحترام إرادة الجميع، ما عزز وحدة أهل المدينة.

و لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ قراراته منفردًا، بل كان دائم الاستشارة لأصحابه.  مثال ذلك في غزوة بدر، عندما أشار الحباب بن المنذر بتغيير موقع الجيش إلى قرب موارد المياه، فاستجاب النبي لرأيه.  

كانت إدارة النبي صلى الله عليه وسلم تضع مصلحة المجتمع فوق كل اعتبار. حيث شارك بنفسه الشريفة في بناء المسجد النبوي مع المهاجرين والأنصار، ليؤكد أن القيادة تبدأ من العمل مع الناس لا فوقهم.  

عبقرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم الإدارية جمعت بين التخطيط الاستراتيجي، التنفيذ الحازم، والمرونة في مواجهة التحديات. أدار دولته الناشئة بروح القائد الذي يرى الإدارة مسؤولية أمام الله وأمام الناس، مما جعل تجربته نموذجًا يحتذى به في القيادة والإدارة.

محمد الرئيس: نموذج القيادة الإنسانية

النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن قائدًا فقط بدافع السلطة أو الهيمنة، بل جسد مفهوم القيادة المثالية التي تجمع بين الحكمة، التواضع، والمحبة. كرئيس لدولة المدينة، استطاع أن يوازن بين الحكم بسلطان الدنيا والحكم بسلطان القلوب، مما جعله قائدًا محبوبًا ورمزًا للعدالة والرحمة.

لم يفرض النبي صلى الله عليه وسلم سلطته بالقوة، بل حاز القلوب بحكمته وعدالته. كان قوله وفعله متطابقين، مما جعله "الرئيس الأكبر" الذي يحكم بسلطان الرضا والاختيار.  

كانت محبة الناس له صلى الله عليه وسلم من شروط قبولهم لإمامته، سواء في العبادة أو السياسة. فقد قال: "الإمام المكروه لا تقبل له صلاة." وهذا يُظهر أن قبول القيادة يعتمد على رضا التابعين ومحبتهم.

و رغم مكانته العالية، كان النبي صلى الله عليه وسلم يشارك أصحابه في العمل الشاق. فأثناء حفر الخندق في غزوة الأحزاب، كان يعمل معهم كأي رجل آخر، مما عزز روح الفريق ووحد الصفوف. و قد كان يقول: "قضاء حوائج الناس أمان من عذاب الله." وهذا يعكس تفانيه في خدمة الناس، ورؤيته أن القيادة تكمن في العطاء لا في التميز.

و مع أن الله اختاره وميزه، إلا أنه لم يعتبر نفسه فوق الناس. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفض أي معاملة خاصة تميزه عن أصحابه. كان يقول: "إني لا أحب أن أتميز عن أحد منكم." وهذا التواضع جعله قريبًا من الناس ومحبوبًا بينهم.

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خُير بين أمرين، اختار أيسرهما ما لم يكن محرمًا. و هذه السمة جعلت من قيادته سهلة ومحببة، وساهمت في تعزيز ولاء الناس له.  

لقد كان يوصي دائمًا بالضعفاء، قائلًا: "ابحثوا عني في ضعفائكم." لم يميز في حكمه بين غني وفقير، أو قوي وضعيف. كان العدل أساس حكمه، حتى مع أقرب الناس إليه. حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها." و هذه العبارة تبرز التزامه المطلق بالعدل وعدم محاباة أحد.

كان صلى الله عليه وسلم قدوة لأصحابه في كل شيء. لم يكن يأمر بشيء إلا وكان أول الملتزمين به. كان يقدم مثالًا حيًا على النزاهة، الرحمة، والإيثار.  

رغم كونه رئيس دولة، عاش النبي صلى الله عليه وسلم حياة بسيطة، وشارك أصحابه في أحزانهم وأفراحهم.  

كان يقبل دعوة الفقير، يجلس على الأرض، ويأكل مما يأكل الناس.  

لقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم كرئيس نموذجًا فريدًا للقيادة الإنسانية. قاد بسلطان الحب والاحترام، وجعل من نفسه مثالًا التواضع والعدل. كان قائدًا يخدم رعيته، ويشاركهم في أعمالهم وأحلامهم، مما جعله أعظم قائد في تاريخ البشرية.

خاتمة

اختتم الكاتب عباس محمود العقاد كتابه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأسلوبه الفريد الذي يجمع بين السهل الممتنع. فأسلوبه الواضح يبدو سهلاً لمن اعتاد القراءة له، لكنه قد يكون صعباً على من يكتشفه لأول مرة. يفتح الكتاب أبواب الفكر والتأمل، مما يجعله رحلة ممتعة لكل من يتوق إلى معرفة أعمق عن حياة وسيرة أعظم شخصية عرفها التاريخ.  

ينفرد العقاد في كتابه بلغة مميزة وطرح استثنائي، يقدم فيه السيرة النبوية بعيداً عن النمط التقليدي. فهو لا يروي الأحداث فحسب، بل ينتقي مواقف بعناية، مصوراً فيها عبقرية النبي الكريم في شتى المجالات. إن هذا الكتاب ليس مجرد تأريخ؛ بل هو دعوة للتأمل والتعلم من رجل أضاء دروب الحياة بقيمه وأخلاقه وإنجازاته.  

لمن أراد النهوض بنفسه و أمته، فإن السير على خطى العباقرة ضرورة. وما من عبقري أعظم ولا قدوة أكمل من محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ترك لنا تراثاً خالداً يوجه الإنسانية إلى الحق والعدل والسلام.


 

تعليقات